تعاني المدن الكبرى حول العالم من الازدحامات المرورية التي تصل إلى حد الشلل التام، وفي ساعات الذروة ببعض المدن كثيفة السكان مثل موسكو الروسية يفقد المواطن نحو 8 أيام عمل في العام، أي أن رحلة السيارة في ساعات الذروة تستغرق زمنًا أكثر من أوقات السيولة بـ65%.

وتسعى العقول البشرية النابهة إلى إيجاد حلول جذرية لهذه الأزمة التي تضرب العالم في ظل ازدياد الكتلة البشرية وما يتبعه من ارتفاع في معدل السيارات المستخدمة بالشوارع والطرق. وتنقسم هذه الحلول إلى قسمين رئيسيين، الأول يرتكز على محور أساسي وهو السلوك الإنساني، ومدى تفهم قائد السيارة لأهمية اتباع القواعد المرورية التي تسهم بشكل فاعل في إحداث سيولة بحركة السير.

أما المحور الثاني فهو تقني، وفيه يبرز دور الشركات المصنعة للسيارات، وكذلك المعنيين بتطوير شبكات الطرق وتكنولوجياتها حول العالم. هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تعرضت لهذه القضية من خلال تقرير مطول يرصد أبرز 6 أشياء من شأنها أن تغير مفهوم القيادة داخل المدن في المستقبل، وهذه الأشياء كالتالي:

السيارات تتحدث: هذه التقنية لا تقتصر على حديث السائق مع سيارته كأوامر التشغيل، ولكن الأمر يتعدى إلى حديث السيارات مع بعضها وتبادل المعلومات وأي الطرق الأكثر ازدحامًا والمخاطر التي يحتمل مواجهتها في بعض الطرق، وهذه التقنية معروفة باسم V2V وقد اقترحت وزارة النقل الأمريكية مؤخرًا تعميمها في أقرب وقت ممكن لتبادل معلومات (الموقع، الاتجاه، السرعات المقررة) والذي من شأنه أن يقلل من الحوادث، وبخاصة عند التقاطعات المرورية.

سيارات تتحدث إلى الإشارات: انصف الآخر من التقنية يسمى V2I وفيه تستطيع المركبات التواصل مع البنية التحتية للمدن متمثلة في إشارات المرور، وهو الأمر يتم تطبيقه بالفعل مع سيارات الإطفاء حيث يستطيع قائد السيارة تغيير الإشارة من اللون الأحمر إلى الأخضر وذلك في حالات الطوارئ، ولكن الذي يسعى له مطوروا هذه التقنية أن تنتقل المركبات الخاصة إلى مرحلة الحديث مع الإشارات حتى يتم تيسيير حركة السير والتخفيض من الكثافات بشكل أوتوماتيكي، حيث ستشعر الإشارات بارتفاع أو انخفاض الكثافة المرورية وعليه ستزيد أو تقلل من زمن التسيير أو الإيقاف.

التمييز بين السيارات من خلال الوقود: محركات الاحتراق تعد الأكثر استخدامًا على مستوى العالم، فكفائتها سواء في عزم الدوران أو العمل المتواصل أو التوفير في الاستهلاك يجعلها مثالية في الوقت الحالي، ولكن هناك خطة شبه دولية تسعى إلى حظر السيارات التي تعتمد على محركات الديزل والبنزين وذلك للحد من الانبعاثات التي تقتل الكوكب شيئًا فشيئًا، وقد بدأت بالفعل مدن كبرى مثل باريس ومكسيكو سيتي ومدريد وأثينا خطط لحظر سير تلك المركبات في الشوارع بحلول عام 2025، كما تعتزم كل من أوسلو وبيرجن وهما أكبر مدينتي في النرويج إقامة مناطق خالية من الانبعاثات الكربونية. ويسير جنبًا إلى جنب مع هذه الخطط مشروعات لتطوير سيارات أصغر حجمًا وأكثر صدقًا وصداقة مع البيئة.

الشحن أثناء القيادة: اتجه العالم في السنوات إلى تطوير السيارات الكهربائية، وبحسب خبراء السيارات فإن مستقبل صناعة السيارات يتقدمه المحركات الكهربائية. ومن المشكلات التي يسعى صناع هذه النوعية من السيارات مثل “تسلا” الأمريكية إلى حلها هو شحن بطارية السيارة والمدة التي تستطيع السيارة قطعها قبل أن يتم إعادة شحنها، وكحل سريع قامت المدن التي تسمح بسير هذه النوعية من المركبات في شوارعها بإنشاء محطات لشحن السيارات. ولكن الحل الذي قد تتغير معه الصناعة بالكامل هو الشحن أثناء القيادة، وهذه الفكرة تتلخص في إنشاء أجزاء من الطرق بتكنولوجيا خاصة تستطيع السيارة التي ترغب في الشحن أن تسير فوقها وفي ذلك الوقت ستتعرض السيارة إلى الاهتزازات التي ستتحول من طاقة حركية إلى طاقة كهربائية. ولكن ما يتم بحثه الآن هو كيفية تحصيل الرسوم من قائد المركبة.

إدفع أكثر لتعبر: المستقبل يتحدث عن “تسعير الازدحام” بمعنى أن قائد السيارة عليه أن يدفع الثمن لدخول شوارع المدينة أثناء ساعات الذروة، وهذا الإجراء كان يستخدم بالفعل في سنغافورة منذ عام 1975، ولكن التحديث الذي ترغب فيه الدول أن يتم تحصيل رسوم على قطع مسافات أكبر داخل المدن بدلاً من تحصيلها على المحروقات، وخاصة أن التوجه العام يسير نحو المركبات الكهربائية.

قد إلى المدينة وليس داخلها: تعتمد هذه الفكرة على استخدام المركبات خارج المدن فقط، ومن ثم الاعتماد على وسائل النقل العام مثل الحافلات أو مترو الأنفاق والترام داخل المدن للتنقل، وهو أمر من شأنه بالطبع أن يغير مفهوم الاختناقات المرورية في المدن بالمستقبل القريب.

نهاية لا يبقى سوى التذكير بأن العامل السادس والأخير، هو واحد من أبرز الحلول التي تم طرحها باجتماع مجلس المشروعات القومية إبان مناقشة أزمة المرور بالعاصمة المصرية القاهرة التي يصل معدل السرعة في شوارعها الرئيسية 12 كلم/س، ويتوقع أن يصل إلى 0كلم/س بحلول عام 2020، ذلك في حال عدم طرح حلول جدية لحل هذه المشكلة.