في خضم تحديات مالية متزايدة، اعترف الرئيس التنفيذي لشركة نيسان، إيفان إسبينوزا، بأن المشكلات التي تعاني منها الشركة اليابانية اليوم ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة تراكمات تعود إلى عام 2015، عندما وضعت الشركة هدفًا طموحًا يتمثل في بيع ثمانية ملايين سيارة سنويًا. وبعد مرور نحو عقد، لم تحقق الشركة سوى 3.3 ملايين سيارة فقط في 2024، وهو رقم يعكس مدى تعثر الخطة، ويُظهر بوضوح مدى عمق الأزمة التي تحاول نيسان معالجتها الآن.
قرارات حاسمة: إغلاق مصانع وخفض الإنتاج
ضمن خطة إصلاح واسعة النطاق، أوقفت نيسان عمليات الإنتاج في 7 من أصل 17 مصنعًا حول العالم، وتُخطط لخفض عدد منصات الإنتاج من 13 إلى 7 فقط. كما تم تجميد العمل على الطرازات القادمة بعد عام 2026، بما في ذلك الجيل الجديد من نيسان ليف وسنترا، وذلك ضمن إطار خطة تمتد حتى عام 2027 تتضمن إطلاق 30 طرازًا جديدًا.
في حديثه خلال قمة فاينانشال تايمز لمستقبل السيارات، أوضح إسبينوزا أن هذه التحركات تُشكل العمود الفقري لاستراتيجية نيسان المستقبلية، والتي ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية:
خفض التكاليف التشغيلية
إعادة هيكلة المنتجات واستهداف الأسواق
عقد شراكات استراتيجية جديدة
لم يفعل أحد شيئًا لإصلاح الوضع
كان إسبينوزا صريحًا بشكل لافت خلال المقابلة، حيث أشار إلى أن الشركة “استثمرت بشكل ضخم في الطاقة الإنتاجية والموارد البشرية” في 2015 دون وجود خطة مرنة تتكيف مع المتغيرات. وأضاف:
كنا نعمل على مبدأ أننا سنُنتج ونبيع ثمانية ملايين وحدة، لكن الحقيقة أننا نعمل الآن بنحو نصف هذا الرقم. لم يتدخل أحد لإصلاح هذا الواقع حتى وقت قريب.
وأكد أن أولى قراراته بعد تسلمه المنصب كانت إعادة تقييم الوضع بشكل عاجل، وهو ما أدى إلى التأثير الواضح على صافي دخل نيسان في السنة المالية 2024.
الشراكات: مفتاح المرحلة القادمة؟
رغم تقليص علاقاتها مع رينو بعد إعادة هيكلة التحالف، لم تُغلق نيسان الباب أمام الشراكات المستقبلية. قال إسبينوزا:
“نحن لا نعتمد على شريك بعينه لتجاوز الأزمة، لكننا منفتحون على التعاون مع شركات تقليدية أو حتى مُصنّعين غير تقليديين.”
ويُعتقد أن شركة فوكسكون، الرائدة في تصنيع الإلكترونيات والتي بدأت مؤخرًا التوسع في قطاع السيارات، قد تكون أحد الخيارات المطروحة.
لا خطط حالية لتسريحات جماعية إضافية
بينما تدور الشائعات حول احتمال تسريح ما يصل إلى 20,000 موظف بحلول عام 2027، أكّد إسبينوزا أن نيسان لا تُخطط حاليًا لموجة تسريحات جديدة. بل على العكس، أشار إلى أن مصانع نيسان في تينيسي – التي تُنتج طرازات مثل ألتيما، ليف، روغ، وباثفايندر – تعمل حاليًا على تعزيز نوبات العمل.
وفي الوقت ذاته، لم ينفِ إمكانية إغلاق مصانع إضافية، موضحًا أن “كل شيء قيد التقييم”، مع تأكيده أن “الشركة لم تعد تملك الوقت أو الموارد لإضاعتها على قرارات غير مدروسة”.
تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية على مستقبل نيسان
من القضايا المحورية التي تواجه نيسان أيضًا الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها إدارة ترامب، خاصة وأن طراز سنترا يُصنع حاليًا في المكسيك. يُتوقع أن تُمثل هذه الرسوم عبئًا ماليًا كبيرًا، يُقدّر بنحو 3.1 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة.
أوضح إسبينوزا أن نيسان تمكنت من التعامل مع أكثر من 30% من هذا العجز المحتمل حتى الآن، لكنها لم تتخذ قرارًا نهائيًا بشأن تمرير التكلفة إلى العملاء.
“من المبكر جدًا الحديث عن زيادة الأسعار، نحتاج أولًا إلى وضوح واستقرار تشريعي حتى نتمكن من اتخاذ القرارات المناسبة.”
تمر نيسان بواحدة من أصعب الفترات في تاريخها الحديث، ولكن بخطة واضحة تتضمن خفض التكاليف، إعادة هيكلة المنتجات، والتعاون الاستراتيجي، تسعى الشركة إلى استعادة مكانتها في سوق عالمي شديد التنافسية. ومع اعتراف الإدارة بالأخطاء السابقة، يبدو أن نيسان مستعدة للتغيير، ولكن النجاح يتطلب التنفيذ الدقيق والالتزام طويل الأجل.